..قرار بارزاني بضم كركوك صائب
أكد الدكتور محمد إحسان، الوزير السابق للمناطق المتنازع عليها في حكومة إقليم كردستان العراق والمسؤول الحالي عن ملف تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي والخاصة بمسألة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، أن «قضية كركوك تعرضت لظلم كبير منذ عام 1970 عندما جرى توقيع قرار الحكم الذاتي مع الحكومة العراقية ولم يجرِ تنفيذ هذا القرار، ثم تعرضت لظلم آخر عام 1991 عندما انتصر الأكراد في انتفاضتهم ضد الحكومة المركزية حيث تدخلت أطراف دولية ومنعت استعادة كركوك، والظلم الثالث كان في 2003 خلال تغيير النظام السابق حيث دخلت قوات البيشمركة الكردية إلى كركوك وحررتها من بقايا النظام، وأيضا تدخلت
الولايات المتحدة لمنع ضم كركوك إلى إقليم كردستان العراق»، مشددا على أن «هذا الظلم الذي تعرضت له كركوك كان ولا يزال بسبب كردستانيتها».
وأضاف إحسان في حديث لـ«الشرق الأوسط» في لندن، أمس، بعد يوم واحد من قرار مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، باستعادة كركوك وضمها نهائيا إلى الإقليم بعد أن اعتبر أن المادة 140 من الدستور العراقي قد انتهت، قائلا إن «الأكراد انتظروا أكثر من عشر سنوات لتنفيذ المادة 140، لكن هناك من الشوفينيين في الحكومة والبرلمان العراقيين من أعلنوا أن هذه المادة قد انتهت ولم يعد لها وجود، ولم تقُم الحكومة الاتحادية ببغداد بأية خطوات لتنفيذ هذه المادة».
وتنص المادة 140 من الدستور العراقي على آلية لحل مشكلة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها من خلال ثلاث مراحل هي: التطبيع وعودة أهالي سكان هذه المناطق الذين هجّرهم نظام صدام حسين إلى ديارهم، وتخيير العراقيين الذين نقلهم النظام السابق من مدنهم في وسط وجنوب العراق إلى كركوك وغيرها بعد تعويضهم، إن أرادوا ذلك، ثم إجراء تعداد سكاني للمناطق المتنازع عليها والقيام باستفتاء حول رغبتهم في إلحاق هذه المناطق إلى الإقليم أم لا.
وقال إحسان الذي كان قد حضر ندوة استضافتها جامعة لندن للاقتصاد حول واقع ومستقبل الأوضاع في العراق، والذي يعد من أكثر المتخصصين بموضوع المناطق المتنازع عليها، حيث ألف الكثير من الكتب وأجرى بحوثا ميدانية حول هذا الموضوع، إن «الحكومات التي جاءت بعد 2003، باستثناء حكومة الدكتور إياد علاوي، لم تلتزم بتنفيذ المادة 140، بل عملت على تسويفها»، مشيرا إلى أن «علاوي كان قد شكل، وقبل صدور الدستور العراقي، لجنة لتنفيذ آلية ضم كركوك والمناطق المتنازع عليها وفق ما يريده سكان هذه المناطق، لكن اللجان التي جاءت بعد حكومة علاوي والتي تشكلت لتنفيذ مادة دستورية صريحة قامت بتسويف الموضوع ولم يعيروا أية أهمية لها، على الرغم من حرصنا على تطبيق هذه المادة بسلاسة». وأضاف: «إن ما تحقق من خطوات تنفيذ المادة 140 هو القليل من الخطوة الأولى التي تتعلق بالتطبيع، حيث جرى تعويض العوائل العراقية التي رغبت في العودة إلى مناطقها الأصلية وإعادة بعض المهجرين من السكان الأصليين إلى المناطق المتنازع عليها، ولقد فوجئنا بقرار من رئيس الحكومة نوري المالكي بشمول جميع العراقيين المهجرين في مناطق أخرى من ميزانية المادة 140، مما فتح باب الفساد المالي على مصراعيه، ويمكنني القول إن نسبة ما تنفذ من خطوات هذه المادة الدستورية هو خمسة في المائة فقط».
وعن اعتبار رئيس الإقليم أن هذه المادة أنجزت وانتهت، قال إحسان: «نعم، لقد صبر الرئيس بارزاني والقيادة الكردستانية والأكراد كثيرا في انتظار تنفيذ هذه المادة في فترتها المحددة، وأنا كنت دائما ضد تقديم أية تنازلات لبغداد باعتباري مسؤولا من قبل حكومة الإقليم عن تنفيذ هذه المادة وممثل الإقليم ببغداد، لكن قيادة الإقليم كانت تقدم التنازلات من أجل عدم إثارة أي مشكلات وعدم عرقلة العملية السياسية، اليوم وبعد العاشر من يونيو (حزيران)، حيث سيطرت المجاميع المسلحة على ثاني أكبر محافظة عراقية، نينوى، وقرب دخولهم لكركوك ليكون الإرهاب عند أبواب الإقليم والفراغ الأمني الذي حدث نتيجة انسحاب القوات المسلحة العراقية من هذه المناطق كان لا بد من أن تملأ قوات البيشمركة الكردية الفراغ للدفاع عن حياة العراقيين في كركوك وصد محاولات المجاميع المسلحة من الوصول إلى أراضي الإقليم»، منبها إلى أن «الأمور تغيرت بعد العاشر من يونيو وعلى الحكومة العراقية أن تتعامل مع الواقع الجديد».
وحول الوضع القانوني لضم كركوك إلى إقليم كردستان واعتراف الحكومة العراقية بذلك، قال إحسان: «المادة 140 تقر بإجراء استفتاء من قبل سكان المناطق المتنازع عليها على ضمها إلى الإقليم، وسنقوم بهذا الاستفتاء لنعرف تمسك السكان بالوضع الجديد أم لا، وسوف يجري التصرف وفق هذه الحقائق»، مضيفا أن «الرئيس بارزاني قام بواجبه الوطني إزاء شعبه وحقق إرادة الأكراد كشعب وكقادة سياسيين، وهو لم يتصرف من تلقاء نفسه أو أنه اتخذ هذا القرار كردة فعل، بل فرضه الواقع». وأشار إلى أن «مكونات مدينة كركوك، الأكراد والعرب والتركمان، سيكونون أكثر استقرارا وسينعمون بالأمان والإعمار مثلما ينعم شعبنا في باقي مدن الإقليم، بل سينال العرب والتركمان حقوقا في المناصب أكثر من الأكراد الذين يشكلون ما هو أكثر من 60 في المائة من أصل سكان كركوك»، مبينا أن «ما طبق على كركوك بضمها إلى الإقليم سوف يطبق على بقية المناطق المتنازع عليها في خانقين ومندلي».
وبالنسبة إلى الوضع الإقليمي ومدى تقبل تركيا وإيران قرار ضم كركوك، قال إحسان: «حتى الآن لم تصدر ردود أفعال سلبية أو مناوئة لهذا القرار، بل نحن على يقين أن تركيا وإيران ستكونان مرتاحتين لقرار ضم كركوك إلى الإقليم كون حدودهما ستكون آمنة من الإرهاب، ثم إن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإقليم كردستان من جهة، وهذا ينطبق على إيران من جهة ثانية». وأشار إلى أن «الوضع الدولي هو الآخر سوف يتقبل هذه الحقائق، بدليل أن الرئيس بارزاني أعلن قراره باستعادة كركوك بحضور وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، وأن وزير الخارجية الأميركي كان في أربيل قبل أيام قليلة وأعتقد أن لديه علما حول خلفية هذا القرار».