حل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد يتطلب إرادة سياسية حقيقية
صفته حلقة الوصل بين بغداد وأربيل، يرى محمد احسان ممثل اقليم كوردستان في بغداد أن المشاكل بين الطرفين تتلخص في «المناطق المتنازع عليها والحدود والنفط والبيشمركة وتحقيق الشراكة الحقيقة» وان حلها لا يتطلب جهدا استثنائيا بل إرادة سياسية حقيقية. واحسان يعتقد ان الحوار هو السبيل الوحيد لحل كل هذه المشاكل وأن تأخير الحل يعني تعقيد الازمات واطالة امدها.
وفيما يلي نص اللقاء الذي أجرته معه مجلية الأسبوعية:
نود التعرف الى طبيعة المنصب الذي تشغله حالياً؟
– أنا ممثل حكومة اقليم كوردستان لدى الحكومة الاتحادية، بالاضافة الى مهامي الاخرى في بغداد ومنها تمثيل الجانب الكوردي في اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 من الدستور ورئيس الهيئة العامة للمناطق المتنازع عليها. وهنا يجب ان أوضح أن ممثلية حكومة اقليم كوردستان شكلت بموجب أمر ديواني الغرض الأساسي منه هو تسهيل أمور المواطنين الكورد. فهناك الكثير من المخاطبات والمعاملات في المجال القضائي بين الجانبين والوزارات الاقليمية والاتحادية، ودورنا تنسيقي يمرر هذه المخاطبات والمعاملات ويعمل على حل الاشكالات، كما نعمل على ايصال الرسائل السياسية لكن لا شأن لنا في عمل السلطات التشريعية.
أنت مختص اذاً في تدارس المشاكل بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان, كيف تصنف هذه المشاكل؟
– هناك نوعان من المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، الأول يمثل المشاكل المتوقعة في أي دولة تتحول من النظام الشمولي الى الديمقراطية، خصوصا تحول الادارة المركزية الى ادارات لا مركزية. أما النوع الآخر غير المتوقع فإنه ينتج عن إطالة امد المشاكل المتوقع وعدم وجود ارادة سياسية لحلها. مثال على ذلك ان الصراع على الصلاحيات بين الحكومات المحلية والاتحادية امر طبيعي الآن، لكن عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور الخاصة بتطبيع أوضاع المناطق المتنازع عليها ورسم حدود المحافظات، أمر لم نكن نتوقعه قبل تغيير النظام السابق. طوال السنوات السابقة كان الاكراد شركاء من دون شراكة في الحكومة، ولا علم لدينا بما يجري في الدولة، ولا دور في رسم السياسات العامة واتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة. هذه هي المطالب.
ما هي ابرز الاولويات التي من شأنها انهاء الازمة الحالية مع الحكومة الاتحادية؟
– المادة 140 من الدستور والحقول النفطية ووضع قوات البيشمركة وتحقيق الشراكة الحقيقية في قمة سلم الاولويات، وهي من ضمن الشروط ال 19 التي وافقنا على أساسها على منح الثقة الى رئيس الوزراء نوري المالكي.
لكن هذه مشاكل كبيرة ومعقدة، كيف يمكن للمالكي أن يحلها في الفترة المتبقية من عمر حكومته؟
– لو نفذت المادة 140 في خلال المدة التي حددت في الدستور، أي بنهاية العام 2007، لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من مشاكل. لكن اعاقة الحكومة محل تنفيذ هذه المادة الدستورية وتعمدها اهدار الوقت، أضاعا فرصة كبيرة على العراق في انهاء ملف كبير وحساس. ونعتقد ان الحكومة في حينه كانت تراهن على عامل الزمن لاسقاط هذه المادة، لكنها كانت على خطأ كبير، فالمواد الدستورية لا تسقط بالتقادم، كما أنها لم تكن تدرك أن عامل الزمن يزيد المشاكل تعقيداً ولا ينهيها ومن يعتقد ان هذه المادة لم تعد حية فإنه واهم.
الاطراف الاخرى ترى ان المادة 140 مشكلة قانونية ويتطلب حلها تعديلات دستورية؟
– ابدا. لا مشكلة قانونية في هذه المادة بعد انتهاء المدة الدستورية ويجب ان يحاسب الطرف الذي كان سبباً في تعطيل الدستور، وهو الحكومة الاتحادية. والدليل على ان هذه المادة لاتزال سارية المفعول استمرار وضع الموازنة المالية لتنفيذها منذ العام 2008 حتى الآن، والاطراف التي تدعي بأن هذه المادة لم تعد قانونية تبحث عن مشكلة او أزمة ولا تريد للعراق الاستقرار. لو ارادت الاطراف المعنية ايجاد حل سريع وقانوني لمشكلة المناطق المتنازع عليها فانه يكون عن طريق البرلمان ولا يتطلب تعديلا دستوريا، لأنه يحتاج الى قانون لاعادة حدود المحافظات الادارية الى ما كانت عليه في السابق، واجراء الاستفتاء. حينها سيقرر المواطنون مصير مناطقهم، وهذا أحد مطالب الاكراد كما انه كان احد بنود اتفاق اربيل.
من يعيق طرح هذا الحل؟
– رئيس الوزراء نوري المالكي، رئيس اكبر كتلة برلمانية وله السيطرة على 89 نائبا لماذا يصرف جهدا على احداث انشقاقات في الكتل الاخرى ولا تتحرك كتلته في اتجاه وضع حلول قانونية للمشاكل من خلال دورها ومكانتها الكبيرة في مجلس النواب؟ لماذا لا يريد نجاحا برلمانيا ويسعى الى اثارة المشاكل؟
ماذا عن مشكلة الحقول النفطية؟
– بعض الحقول النفطية إدراتها من صلاحية الحكومة الاتحادية، أما الحقول التي تكتشف لاحقا فتقع مسألة ادارتها على عاتق حكومة الاقليم، هكذا يقول الدستور. لكن ناتج كل الحقول تذهب الى الحكومة الاتحادية ومن ثم توزع وارداتها على المحافظات والاقاليم بموجب القانون.
استقدمنا شركات نفطية كبيرة في وقت كانت الحكومة العراقية عاجزة عن جذب أي شركة أياً كان حجمها.
هذا حقنا الدستوري فلماذا نتنازل عنه الآن؟ نريد أن ندير الحقول كي نعرف حجم الواردات النفطية التي تخرج من الاقليم وكيف يتم التصرف بها، لأن الحكومة المركزية ترفض حتى الآن الاعتراف بحقيقة ان السياسة النفطية يجب أن تضعها بالاشتراك مع الاقليم والمحافظات المنتجة للنفط. في العراق هناك «سياسة الشهرستاني النفطية» وليس السياسة العراقية النفطية. لسنا مضطرين لأن نضع كل هذه الواردات والحقول في يد شخص واحد يفسر الدستور كما يشاء ويرفض حتى الآن اللجوء الى المحكمة الاتحادية لتفسير المواد الدستورية المتعلقة بالنفط.
و«البيشمركة»، هناك اتهامات توجه الى تلك القوات بتجاوز صلاحياتها؟
– افتراءات لا صحة لها. هل يعلم العراقيون ان هذه القوات هي التي تحمي حدود العراق مع ثلاث دول (ايران وتركيا وسوريا) من دون أن تكلف الدولة العراقية دينارا واحدا منذ العام 2003 حتى الآن؟ هل من المعقول في عراق اتحادي ديمقراطي تعددي، والاكراد شركاء في الحكومة المركزية، ان يتم التعامل مع البيشمركة وفق قانون دمج الميليشيات؟ قانون الميليشيات هو لدمج الارهابيين الذين انخرطوا في الصحوات، فهل تقارن البيشمركة بتاريخها الطويل، بجماعات مسلحة كانت بالامس القريب إرهابية؟ لا يمكن القبول بذلك.
لكن يقال ان حكومة اقليم كوردستان حاولت مؤخرا شراء دبابات لتجهيز قوات البيشمركة، ألا تعتقد ان هذا الامر مقلق للحكومة الاتحادية؟
– لم نصل الى مرحلة طلب دبابات أبداً. نحن نفاوض من أجل الاعتراف بها كقوات حرس إقليم، وليس كل ما يذكر في وسائل الاعلام صحيح. لا يمكن ان نجهز البيشمركة بالدبابات ونستغرب إثارة هذا الموضوع والسكوت عن الاتفاقات الخاصة في شأن تنظيم وادارة البيشمركة. لماذا هذا التخوف من قوات قاومت النظام السابق وحفظت الامن داخل بغداد بعد انهيار النظام، وحمت ولا زالت تحمي كثير من القيادات السياسية في البلاد وتتولى امن مجلس النواب العراقي؟
الحكومة تجيب بأن الرفض الكوردي لصفقة طائرات «اف 16» الاميركية محاولة لاضعاف القوات الاتحادية؟
– لسنا ضد صفقة طائرات «أف 16» من حيث المبدأ، وأتمنى على من يطلع على هذه المقابلة ان يتفهم الموقف الكوردي من هذه القضية. نحن لسنا ضد تقوية الجيش العراقي لكننا نعتقد أن لدينا كعراقيين مشاكل واحتياجات اهم من هذه الطائرات التي تعتبر رفاهية وكمالية في الوقت الراهن، لأن العراق يحتاج الى مدارس ومستشفيات وكهرباء وفرص عمل وغيرها من أمور تمس المواطن في حياته اليومية، إضافة الى ذلك فان الـ«اف 16» يجب ان توضع في أياد امينة، ووزارة الدفاع الحالية هي من أكثر الوزارات فسادا فكيف نضع في يدها مثل هذا السلاح؟
هل تخشون بالفعل من عمل عسكري يقوم به المالكي ضد اقليم كوردستان؟
– لا اعتقد ان الوضع العراقي والاقليمي وحتى الدولي يتقبل عملاً عسكرياً ضد الاقليم، وأتمنى ان لا اكون مخطئاً كما اخطأ المفكرون قبل العام 1914 حين كانوا يعتقدون ان التطور الذي حصل في العالم والافكار الليبرالية التي انتشرت لن تسمح بحرب بين الدول، ومن ثم حدثت الحرب العالمية الاولى. وحتى اليوم كل الاطراف مقتنعة بأن الخلافات تحل عن طريق الحوار فقط. أي عنف في البلد سيكون كارثياً على الجميع من دون استثناء.
هل وصلت العلاقة مع رئيس الحكومة نوري المالكي الى طريق مسدود؟
– حتى اليوم تتمنى حكومة اقليم كوردستان اصلاح الوضع في الحكومة الاتحادية بأقل الخسائر وتنفيذ الاتفاقات السياسية والعودة الى الدستور وتطبيقه بشكل كامل وليس بانتقائية وكأنه محل نشتري منه ما نشاء وما يلائمنا. لو عدنا الى بداية الازمة الحالية لوجدنا انها تصاعدت بعدما دعونا الى اجتماع جديد في اربيل وعارضته بعض الاطراف بسبب المكان والتوقيت، كما أنهم اعترضوا على اسم الاجتماع وكأنهم ارادوا تصعيد الأزمة، ونسوا ان أربيل هي التي شكلت فيها الحكومة، وكانت مكانا لحل كثير من الازمات. ومن ثم اعترضوا على جدول الاعمال الى ان وصلنا الى مرحلة لا نعرف معها من أين نبدأ بالحل، وأي المشاكل اولى بالنقاش. وما يثير السخرية هو ما نسمعه من نواب ائتلاف «دولة القانون» بأن اتفاق اربيل غير دستوري، فهل كان دستوريا حين سعوا اليه لتشكيل الحكومة؟ ولماذ يريدون الآن تطبيقه لتجنب سحب الثقة من رئيس الوزراء اذا كان غير دستوري؟ هذا تخبط كبير أصبح مكلفاً جدا.
اذا النية تتجه نحو سحب الثقة عن رئيس الوزراء؟
– مسألة سحب الثقة من الحكومة الاتحادية غير ورادة حتى الآن لدى القيادة الكوردية التي ابلغت الاخوة في «التحالف الوطني» عن اخطاء ادارتهم للبلد ونقاط الخلاف وتنتظر الحلول الناجعة. لكن يبدو أن اطرافا في هذا التحالف وصلت الى مرحلة من عدم القدرة على اصلاح الاوضاع، فاتجهت الى البحث عن بديل لرئيس الوزراء، وهذا مطلب لحلفاء المالكي وليس مطلبا كورديا.
نريد الاصلاح أياً كانت الحلول، واذا لم يستجب المالكي، فمن الطبيعي ان تحجب الثقة عنه. هذا هو الحال في النظم البرلمانية، ولا بد ان يكون هناك بديل، واطراف «الاجتماع الخماسي» قادرة على ذلك رقميا داخل مجلس النواب.
من سياق الخطاب الكوردي يشعر المراقب انكم تلقون المسؤولية بالكامل على بغداد، ألم تكن لديكم اخطاء أسهمت في ما وصلنا اليه؟
– هناك التزامات على حكومة اقليم كوردستان يجب أن تأخذ بها. في بعض النقاط نحن مقصرون بكل صراحة، لكنها تمثل واحداً في المئة من المشاكل العالقة، وهناك تسعة وتسعون في المئة من المشاكل سببها الحكومة الاتحادية وحلها في يد المركز وليس الاقليم. مسألة الحدود والمنافذ يجب ان يكون للحكومة الاتحادية دور اكبر في ادراتها، ونحن مقصرون في ذلك فعلا. ورئيس الوزراء يتحدث باستمرار عن ضرورة الالتزام بالدستور، لكنه لا يلتزم به خصوصا في مسألة كركوك.
هناك من يقول ان الكورد تعمدوا إثارة القضايا العالقة بعد التقارب الذي حصل مع «القائمة العراقية» في أعقاب قضية الهاشمي؟
– تقارب «العراقية» مع الكورد لم يكن سببا في إثارة كل القضايا العالقة أبداً. نحن لا نزال نعتبر أننا اكثر تقاربا وتفاهما مع «التحالف الوطني» حتى اليوم، ومن المستحيل أن نضحي بعلاقاتنا التاريخية مع بعض أطراف هذا التحالف. وما يقال عن استغلال قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي غير صحيح ايضا، فهذه القضية سياسية ويمكن ان يكون عدد من أفراد حماية أي مسؤول في الدولة متورطين في جرائم معنية وهو لا يعلم عنهم شيئا. هذا امر وارد جدا، واستضافته في كوردستان كانت لاسباب اخلاقية فقط، لأننا لم نكن طرفا في القضية، ومن واجبنا ان نرحب بضيف جاء في ظرف مضطرب، وكان واجباً علينا احترام الضيافة ولم يكن لدينا خيار آخر. والاخوة الذين أثاروا قضيته يتحملون هم المسؤولية عندما سمحوا له بمغادرة بغداد والوصول الى كوردستان. فهل كان الهاشمي مجرماً فعلا ولم يستطيعوا القاء القبض عليه، أم كان قصدهم تصدير مشكلة الينا؟
ولو عدنا الى البحث في السنوات الاخيرة الماضية فإننا نجد أن قلة قليلة من السياسيين ومن كل الجهات اياديهم ليست ملطخة بدماء العراقيين، لأن الظروف التي مرت بها البلاد ورطت شخصيات عدة، عمداً او عن غير عمد، بأحداث العنف التي كانت دائرة.
وكيف ستحل قضية الهاشمي في رأيك؟
– أتوقع شخصيا ان ترحب الحكومة الاتحادية بعودة الهاشمي إلى بغداد، وأتمنى ان تبحث حينها الاطراف التي اثارت القضية ضده، عن اجوبة تقنع بها الشارع العراقي، وتشرح أسباب التناقض والتبدل المستمر في مواقفها.